القائمة الرئيسية

الصفحات


 مبارك (فصيحة)✅
مبروك(صحيحة)✅


وكما يقولون: إن الكتابة ترتكز على مقدمة وساق، فها قد بحت بالمقدمة، وإليك الصلب والساق، وخاتمة الأمر الترياق، وقد حان البيان فإني أراك على جمر اللوى تشتاق:


أولا: لا يرتاب باحث محقق في تعويل العربية على البناء والتركيب من صرف واشتقاق وغيره، الأمر الذّي عاد عليها بالغنى والثّراء.

ثانيا: مَبْرُوك: اسم مفعول من بَرَك ، يَبْرُك بُرُوكا، فهو بارِك ، وهي باركة ، ومعنى البروك: القعود على الأرض

وأما مُبَارَك: فهو اسم مفعول من بَارَك، يُبَارِك مُبارَكة ، واسم الفاعل منه (مُبارِك)، واسم المفعول منه مُبارَك ومعنى البركة: كثرة الخير ، فالأصل في اسمي المفعول مبارك ومبروك هو: (ب ر ك) والتي تعني الزيادة والنماء كما في اللسان.


ثالثا: من بدائع العربية ، ومحاسن الفصحى ، وجمال اللسان: التفنن في الاشتقاق والتشعب في الانتقال من وزن لوزن وصيغة صرفية لأخرى ، فنجد التحول من  "فاعل" و"مفعول" إلى "فعيل" ، وذلك كقوله تعالى: (وعِنْدَنا كِتَاْبٌ حَفِيظٌ ) ف "حفيظ" يصحّ أن يكون محفوظاً من أيّ تغيير وتحريف ، ويصح أن يكون حافظاً لما أُودع فيه.

فإذا كان التحول من صيغة إلى صيغة مضادة ، يعد من بهاء المنطق ، وقسامة اللسان ، وملاحة العربية ، فلم نستسيغه في الأوزان المفترقة ، ونرفضه في الكلمات المتفقة الصياغة؟ ، فمبارك ومبروك اسما مفعول ، وجذر واحد.


رابعا: من المستقر عند علماء اللغة تحوّل صيغة "مفعول" إلى "فاعل"، فقد يأتي "فاعل" ويُراد به "مفعول" ، كقوله تعالى:

(لاعَاْصِمَ الْيَوْمَ من أَمْرِ اللهِ) ، أي لا أحد مَعْصُومٌ من أمر الله ،وكقوله تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِق من مَاءٍ دَافِقٍ..) أي مدفوق، ومنه قول الحطيئة في هجاء الزّبرقان بن بدر:

دَعِ المكــارمَ لا تَــرْحَــــلْ لِبـغيـتِهـا

   واقْعُــدْ فإنّـك أَنْت الطّـاعـم الكـاسـي

أي: المطعوم المكسّو.


خامسا: وعكس ما سبق هو مجيء اسم المفعول بمعنى الفاعل كقوله تعالى: {ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻭﻋﺪﻩ ﻣﺄﺗﻴﺎ} ﺃﻱ ﺁﺗﻴﺎ ، وقوله تعالى: {ﺣﺠﺎﺑﺎ ﻣﺴﺘﻮﺭا} ﺃﻱ ﺳﺎﺗﺮا ، ومبارك ومبروك أخف من هذا لأن كليهما اسما مفعول يشتركان في البركة والنماء والثبات، يوضحه:


سادسا: ورد في الشواهد العربية مجيء صيغة (فاعل)، بدل صيغة"مُفْعِل"، وكلاهما اسم فاعل، إلاّ أَنّ "فاعلاً" من الفعل الثلاثي، و"مُفْعِلاً" من غير الثلاثي ، ومنه قول النابغة الذّبياني:

كِلينــي لَهِــمٍّ يــا أُمَيْمِــةَِ نــاصِــبٍ

   وَلَيْــلٍ أقـاسـيه بـطِـيِء الكـواكــبِ.


فجعل "ناصباً" بمعنى "مُنْصِب"، لأنّه أبلغ في وصف الليل، ولو شاء لقال: "مُنْصِب" من غير أن يختّل الوزن، لكنّه آثر "فاعلاً" على "مُفْعِل" لما فيه من وضوح الدّلالة على الوصف.


سابعا: ومن التحولات الصّرفية مجيء (فَعُول) ويُراد بها (فاعل)، كقولهم: 

(اللّقُوحُ الرَّبعيّةُ مَالٌ وطعامٌ)

فاللّقُوح هي الناقة اللاقحة، فهي "فاعل" في المعنى، وإن كان لفظها "فَعُولاً"، ولكنّ اللّقُوحَ أبلغ وأمكن من اللاّقحة لما فيها من دلالةٍ على الكثرة.. ومنه قول اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: "اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ: اﻹﺷﺮاﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻭﻋﻘﻮﻕ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻗﺘﻞ اﻟﻨﻔﺲ، ﻭاﻟﻴﻤﻴﻦ اﻟﻐﻤﻮﺱ ، واليمِينُ الغَموُسُ هي التي تَغْمُسُ صاحبها في الإثم، فهي"فَعُول" بمعنى (فاعل)، ولكنّ غَمُوساً أبلغ وأمكن في وصف الكثرة من "غامس".


ثامنا: ومن التحولات الصرفية باختصار طلبا للإيجاز:

- مجيء "فَعُول" بمعنى "مَفعُول"،   

-مجيء (فَعُول) بمعنى (فاعل)، و(مفعول) معاً، 

-مجيء "أَفْعل" بمعنى "فاعلٍ" ، أَوْ (فعيلٍ)، أَوْ (مفعولٍ)، 

-مجيء " فُعَلَةَ " بمعنى فاعل.

-مجيء "فَعَالِ " بمعنى فاعل.

-مجيء "فَعِلٍ" بمعنى فعيل ، ومُفْتَعِل بمعنى مفعول.

-مجيء مفُتعِْلٍ بمعنى فاعل.

-مجيء فَعّال بمعنى فاعل.

  

تاسعا: النظر المجرد إلى لفظة مبروك من بروك الإبل ، وعدم التعمق في جذرها الضارب بعمق في معاني الثبات والنماء ، ينافي وفرة المعاني للفظ الواحد في العربية ، ويضاد سعة الاشتقاق ، ويضيق متسع العربية ، فإن من المعاني الملتصقة ببروك الإبل هو الخير المرتبط بأماكن وجودها كما في حديث أم زرع المشهور: كثيرات المبارك.


عاشرا: جاء في صحاح الجوهري في مادة برك: 

وكل شئ ثبت وأقام فقد بَرَكَ. انتهى

قلت-عماد-:وما نحن فيه من ذاك حذو القذة بالقذة.


حادي عشر: جاء في مقاييس ابن فارس:

بَرَكَ: الْبَاءُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ ثَبَاتُ الشَّيْءِ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ فُرُوعًا يُقَارِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

وفيه المقاييس أيضا:

رَغَسَ: الرَّاءُ وَالْغَيْنُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى بَرَكَةٍ وَنَمَاءٍ. يَقُولُونَ: الرِّغْسُ النَّمَاءُ وَالْبَرَكَةُ وَالْخَيْرُ ، قَالَ الْعَجَّاجُ:

حَتَّى رَأَيْنَا وَجْهَكَ الْمَرْغُوسَا


قلت-عماد: وعلى هذا فمادة رغس من الرغس وهو الخير والبركة فهو مرغوس وهي مرغوسة ، ومادة برك من البرك وهو الثبات والخير والنماء فهو مبروك وهي مبروكة.


ثاني عشر: جاء في لسان العرب:

ﻭاﺑﺘﺮﻙ اﻟﻘﻮﻡ ﻓﻲ اﻟﻘﺘﺎﻝ: ﺟﺜﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻛﺐ ﻭاﻗﺘﺘﻠﻮا اﺑﺘﺮاﻛﺎ، ﻭﻫﻲ اﻟﺒﺮﻭﻛﺎء ﻭاﻟﺒﺮاﻛﺎء. ﻭاﻟﺒﺮاﻛﺎء: اﻟﺜﺒﺎﺕ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﺏ ﻭاﻟﺠﺪ، ﻭﺃﺻﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻭﻙ.انتهى

فانظر كيف اشتق كلمة: ابترك والبراكاء من البروك وجعلها من الثبات في الحرب ، فما الذي يمنع من مجازية مبروك ونجعلها مثل ابترك القوم ، وبراكاء؟ وهل قال أحد من الناس: كيف يصف القوم بالابتراك الذي هو من صفة البعير؟ فلماذا يقولون في (مبروك) برك عليه بعير.


ثالث عشر: جاء في جمهرة ابن دريد:

ﻣﺎ ﺃﺑﺮﻙ ﻫﺬا اﻟﻄﻌﺎﻡ ﺃﻱ ﻣﺎ ﺃﻧﻤﺎﻩ. ﻭﺫﻛﺮ ﺃﺑﻮ ﻣﺎﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﺳﻤﻊ: ﻃﻌﺎﻡ ﺑﺮﻳﻚ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺒﺎﺭﻙ.

فإذا كان فعيل بمعنى مفاعل ، فما المانع من أن يكون مفعول بمعنى مفاعل.


رابع عشر:جاء في اللسان:

ﻭالبريكاﻥ: ﺃﺧﻮاﻥ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺏ، ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪﺓ: ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺎﺭﻙ ﻭاﻵﺧﺮ ﺑﺮﻳﻚ، ﻓﻐﻠﺐ ﺑﺮﻳﻚ ﺇﻣﺎ ﻟﻠﻔﻈﻪ، ﻭﺇﻣﺎ ﻟﺴﻨﻪ، ﻭﺇﻣﺎ ﻟﺨﻔﺔ اﻟﻠﻔﻆ.

قلت-عماد-: وهذا من ذاك فلعل مبروك غلبت لسهولة اللفظة وشيوعها.


خامس عشر: وفي اللسان:

ﺑﺮﻙ: اﻟﺒﺮﻛﺔ: اﻟﻨﻤﺎء ﻭاﻟﺰﻳﺎﺩﺓ. ﻭالتبريك: اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ ﺑﺎﻟﺒﺮﻛﺔ.

قلت-عماد-: فأصل البركة والتبريك من مادة(ب ر ك) فمبروك : منمي ومزيد.


سادس عشر: جاء في فقه اللغة للثعالبي:

ﻓﻲ اﻟﻤﻔﻌﻮﻝ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻠﻔﻆ اﻟﻔﺎﻋﻞ:

ﺗﻘﻮﻝ اﻟﻌﺮﺏ: ﺳﺮ ﻛﺎﺗﻢ ﺃﻱ ﻣﻜﺘﻮﻡ. ﻭﻣﻜﺎﻥ ﻋﺎﻣﺮ ﺃﻱ ﻣﻌﻤﻮﺭ. 

ﻭﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ: {ﻻ ﻋﺎﺻﻢ اﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﻠﻪ} ﺃﻱ ﻻ ﻣﻌﺼﻮﻡ. 

ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﻣﺎء ﺩاﻓﻖ} ﺃﻱ ﻣﺪﻓﻮﻕ. 

ﻭﻗﺎﻝ: {ﻋﻴﺸﺔ ﺭاﺿﻴﺔ} ﺃﻱ ﻣﺮﺿﻴﺔ. 

ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ: {ﺣﺮﻣﺎ ﺁﻣﻨﺎ} ﺃﻱ ﻣﺄﻣﻮﻧﺎ. ﻭﻗﺎﻝ ﺟﺮﻳﺮ: 

ﺇﻥ اﻟﺒﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻤﻞ ﻛﻼﻣﻪ ... ﻓﺎﻧﻘﻊ ﻓﺆاﺩﻙ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻮاﻣﻖ.

وقال الثعالبي:

ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻠﻔﻆ اﻟﻤﻔﻌﻮﻝ:

ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻭﻋﺪﻩ ﻣﺄﺗﻴﺎ} ﺃﻱ ﺁﺗﻴﺎ ﻭﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺟﻞ ﺟﻼﻟﻪ: {ﺣﺠﺎﺑﺎ ﻣﺴﺘﻮﺭا} ﺃﻱ ﺳﺎﺗﺮا.


سابع عشر: جاء في الكليات لأبي البقاء الحنفي:

ﺇﻃﻼﻕ اﺳﻢ اﻟﻜﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺰء ﻛﺈﻃﻼﻕ اﺳﻢ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻭاﺳﻢ اﻟﻌَﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺃﺟﺰاﺋﻪ، ﻭﻓﻲ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ: {ﻳﺠﻌﻠﻮﻥ ﺃﺻﺎﺑﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺁﺫاﻧﻬﻢ} 

ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻧﺤﻮ: (ﻭﻳﺒﻘﻰ ﻭﺟﻪ ربك) ﺃﻱ: ﺫاﺗﻪ...ﻭﺇﻃﻼﻕ ﻓﺎﻋﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﻧﺤﻮ: {ﺟﻌﻠﻨﺎ ﺣﺮﻣﺎ ﺁﻣﻨﺎ} ﺃﻱ: ﻣأﻣﻮﻧﺎ ﻓﻴﻪ

ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻧﺤﻮ: {ﻭﻋﺪﻩ ﻣﺄﺗﻴﺎ} ﺃﻱ: ﺁﺗﻴﺎ


ثامن عشر: وفي مصباح الفيومي:

ﺳﻤﻲ ﺑﻌﺾ ﺫﻱ اﻟﺤﺠﺔ ﺷﻬﺮا ﻣﺠﺎﺯا ﺗﺴﻤﻴﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻜﻞ ﻭاﻟﻌﺮﺏ ﺗﻔﻌﻞ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮا ﻓﻲ اﻷﻳﺎﻡ ﻓﺘﻘﻮﻝ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻣﺬ ﻳﻮﻣﺎﻥ ﻭاﻻﻧﻘﻄﺎﻉ ﻳﻮﻡ ﻭﺑﻌﺾ ﻳﻮﻡ ، ﻭﺯﺭﺗﻚ اﻟﻌﺎﻡ ﻭﺯﺭﺗﻚ اﻟﺸﻬﺮ ﻭاﻟﻤﺮاﺩ ﻭﻗﺖ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻞ ﺃﻭ ﻛﺜﺮ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻓﺎﻧﻴﻦ اﻟﻜﻼﻡ ﻭﻫﺬا ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﻖ اﻟﻜﻞ ﻭﻳﺮاﺩ ﺑﻪ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﺠﺎﺯا ﻧﺤﻮ ﻗﺎﻡ اﻟﻘﻮﻡ ﻭاﻟﻤﺮاﺩ ﺑﻌﻀﻬﻢ.


تاسع عشر: جاء في صحاح الجوهري:

ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻭﻋﺪﻩ ﻣﺄﺗﻴﺎ) ﺃﻱ ﺁﺗﻴﺎ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ: (ﺣﺠﺎﺑﺎ ﻣﺴﺘﻮﺭا) ﺃﻱ ﺳﺎﺗﺮا. ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻔﻌﻮﻻ، لأﻥ ﻣﺎ ﺃﺗﺎﻙ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻓﻘﺪ ﺃﺗﻴﺘﻪ ﺃﻧﺖ.


عشرون: وفي المقتضب للمبرد:

ﻭاﻋﻠﻢ ﺃﻥ (ﺃﻓﻌﻞ) ﺇﺫا ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻀﻌﻪ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻓﻤﻄﺮﺩ ﻓﻤﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ:

ﻗﺒﺤﺘﻢ ﻳﺎ ﺁﻝ ﺯﻳﺪ ﻧﻔﺮا 

      ﺃﻻﻡ ﻗﻮﻡ ﺃﺻﻐﺮا ﻭﺃﻛﺒﺮا.

ﻳﺮﻳﺪ: ﺻﻐﻴﺮا ﻭﻛﺒﻴﺮا.


حادي وعشرون: جاء في المزهر للسيوطي:

ﻭﻳﺮﻭﻯ ﻋﻦ ﺷﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻗﺎﻝ: ﺃﺗﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻮﻡ ﺣﻨﻴﻦ ﻓﺈﺫا اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺁﺧﺬ ﺑﻠﺠﺎﻡ ﺑﻐﻠﺘﻪ ﻗﺪ ﺷﺠﺮﻫا.

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻧﺼﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻷﺻﻤﻌﻲ: ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ: (ﻗﺪ ﺷﺠﺮﻫﺎ) ﺃﻱ ﺭﻓﻊ ﺭﺃﺳﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻓﻮﻕ.

ﻳﻘﺎﻝ: ﺷﺠﺮﺕ ﺃﻏﺼﺎﻥ اﻟﺸﺠﺮﺓ ﺇﺫا ﺗﺪﻟﺖ ﻓﺮﻓﻌﺘﻬﺎ.

ﻭاﻟﺸﺠﺎﺭ ﻣﺮﻛﺐ ﻳﺘﺨﺬ ﻟﻠﺸﻴﺦ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﻣﻦ ﻣﻨﻌﺘﻪ اﻟﻌﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻘﻮﻃ تشبيها ﺑﺎﻟﺸﺠﺮﺓ اﻟﻤﻠﺘﻔﺔ ﻭاﻟﻨﺨﻞ ﻳﺴﻤﻰ اﻟﺸﺠﺮ ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻋﺮ: 

(ﻭﺃﺧﺒﺚ ﻃﻠﻊ ﻃﻠﻌﻜﻦ ﻷﻫﻠﻪ ... ﻭﺃﻧﻜﺮ ﻣﺎ ﺧﻴﺮﺕ ﻣﻦ ﺷﺠﺮاﺕ)

ﻭاﻟﻤﺮﻋﻰ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﺸﺠﺮ ﻻﺧﺘﻼﻑ ﻧﺒﺘﻪ ﻭﺷﺠﺮ اﻷﻣﺮ ﺇﺫا اﺧﺘﻠﻂ ﻭﺷﺠﺮﻧﻲ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺻﺮفني ﻮﺗﺄﻭﻳﻠﻪ ﺃﻧﻪ اﺧﺘﻠﻒ ﺭﺃﻳﻲ ﻛﺎﺧﺘﻼﻑ اﻟﺸﺠﺮ ﻭاﻟﺒﺎﺏ ﻭاﺣﺪ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺷﺠﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﻼﻥ ﺃﻱ اﺧﺘﻠﻒ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﻗﺪ ﺷﺠﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺃﻣﺮ ﺃﻱ ﻭﻗﻊ ﺑﻴﻨﻬﻢ. انتهى


قلت-عماد-: فانظر كيف أرجع المعاني جميعها إلى الأصل (ش ج ر):

-شجرها: رفعها.

-الشجار: مركب.

-الشجر: المرعى.

-شجر الأمر: اختلط.

-شجرني عن الأمر: صرفني.

-شجر بينهم أمر: وقع.

وانظر إلى دقة استنباط السيوطي في قوله: والباب واحد، وما نحن فيه من ذلك.


ثاني وعشرون: من التحولات الصرفية السابقة ، واطراد الاشتقاق في لغة العرب ، نعلم أن مجيء (مبروك) بمعنى (مبارك )، أمر واضح وصريح وملموس ولا يمكن إنكاره ، إذ أن اللفظة جارية مجرى العربية وسالكة درب القوم ولا غبار على فصاحة المبنى والمعنى


ثالث وعشرون: جاء في لسان العرب:

ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﻱ ﺃﺛﺒﺖ ﻟﻪ ﻭﺃَﺩِﻡ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﺮﻳﻒ ﻭاﻟﻜﺮاﻣﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺑﺮﻙ اﻟﺒﻌﻴﺮ ﺇﺫا ﺃﻧﺎﺥ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻓﻠﺰﻣﻪ.


رابع وعشرون: ﻣﺎ ﻗﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻡ اﻟﻌﺮﺏ فهو على كلام العرب ، قال ابن جني في الخصائص:

ﻫﺬا ﻣﻮﺿﻊ ﺷﺮﻳﻒ ، ﻭﺃﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻀﻌﻒ ﻋﻦ احتماله ﻟﻐﻤﻮﺿﻪ ﻭﻟﻄﻔﻪ ، ﻭاﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﺑﻪ ﻋﺎﻣﺔ, ﻭاﻟﺘﺴﺎﻧﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻘﻮ ﻣﺠﺪ. ﻭﻗﺪ ﻧﺺ ﺃﺑﻮ عثمان ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻗﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻡ اﻟﻌﺮﺏ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ اﻟﻌﺮﺏ؛ ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﻊ ﺃﻧﺖ ﻭﻻ ﻏﻴﺮﻙ اﺳﻢ ﻛﻞ ﻓﺎﻋﻞ ﻭﻻ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﻭﺇنما ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺒﻌﺾ ﻓﻘﺴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻏﻴﺮﻩ. انتهى

قلت-عماد-: وهنا نسأل الذين ادعوا أن هذا قياس مع الفارق ونقول: ما الفارق الذي لا يصح هنا القياس عليه ، وما المشكل في قياس مبروك على نظائرها ، وقد مر ما مر؟


خامس وعشرون: يقول عباس حسن في وافيه:

اﻧﻄﺒﻖ ﺭﺃﻱ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻐﻮﻳﻴﻦ -ﻛﺎﺑﻦ ﺟﻨﻲ- ﺑﺈﺑﺎﺣﺔ ﺗﻜﻤﻠﺔ المادة اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﺮاﺭ ﻧﻈﺎﺋﺮﻫﺎ، ﻓﺎﻟﻤﺼﺪﺭ ﺗﺸﺘﻖ ﻣﻨﻪ ﻓﺮﻭﻉ ﺗﺴﺎﻳﺮ اﻟﻔﺮﻭﻉ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﻧﻈﻴﺮﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﻓﻲ اﻟﻮﺯﻥ ... ، ﻭاﻟﻤﺸﺘﻖ – ﻛﺎﺳﻢ اﻟﻔﺎﻋﻞ – ﻭﻏﻴﺮﻩ – ﺗﻜﻤﻞ ﻟﻪ اﻷﻧﻮاﻉ، ﻭاﻟﻔﺮﻭﻉ، ﻭﻣﺼﺪﺭﻩ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺎﻳﺮ ﻧﻈﺎﺋﺮﻩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ، ﻭﻗﺪ اﺭﺗﻀﻰ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ﻫﺬا اﻟﻤﺬﻫﺐ، ﻭﺳﺎﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻗﺮاﺭاﺗﻪ.

قلت-عماد: ومبروك على غرار هذا المهمل والناقص ، وهي تسير في مجرى الأقيسة الصحيحة.


سادس وعشرون: وفي الخصائص لابن جني:

ﺣﻜﻰ ﻟﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﻋﻠﻲ ﻋﻦ اﺑﻦ اﻷﻋﺮاﺑﻲ ﺃﻇﻨﻪ ﻗﺎﻝ: ﻳﻘﺎﻝ: ﺩﺭﻫﻤﺖ اﻟﺨﺒﺎﺯﻱ، ﺃﻱ: ﺻﺎﺭﺕ ﻛﺎﻟﺪﺭﻫﻢ؛ ﻓﺎﺷﺘﻖ ﻣﻦ اﻟﺪﺭﻫﻢ، ﻭﻫﻮ اﺳﻢ ﻋﺠﻤﻲ، ﻭﺣﻜﻰ ﺃﺑﻮ ﺯﻳﺪ – ﺭﺟﻞ ﻣﺪﺭﻫﻢ، ﻗﺎﻟﻮا ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻣﻨﻪ ﺩﺭﻫﻢ؛ ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﺇﺫا ﺟﺎء اﺳﻢ اﻟﻤﻔﻌﻮﻝ ﻓﺎﻟﻔﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺎﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﻜﻒ، ﻭﻟﻬﺬا ﺃﺷﺒﺎﻩ". ا. ﻫـ.


وفيه أيضا: "ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﻮﺯ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﺱ ﻳﺨﺮﺝ ﺑﻪ ﺳﻤﺎﻉ؛ ﻓﺈﺫا ﺃﺧﺬ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻠﻬﻢ، ﻭﺃﻡ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻮﺭﺩ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺳﻤﺎﻋﺎ، ﻭﻻ ﺃﻥ ﻳﺮﻭﻳﻪ ﺭﻭاﻳﺔ ... ".

قلت-عماد: وفي هذا رد على من طلب شاهدا عربيا قديما على صحة لفظة مبروك فهاك رأي ابن جني.


سابع وعشرون: جاء في تاج العروس:

ﻭﺭﺟﻞ ﻣﺪﺭﻫﻢ ﺑﻔﺘﺢ اﻟﻬﺎء ﺃﻱ: ﻛﺜﻴﺮﻫﺎ ، ﻭﻻ ﻓﻌﻞ ﻟﻪ، ﺣﻜﺎﻩ ﺃﺑﻮ ﺯﻳﺪ. ﻗﺎﻝ: ﻭﻻ ﺗﻘﻞ: ﺩﺭﻫﻢ ، ﻣﺒﻨﻴﺎ ﻟﻠﻤﻔﻌﻮﻝ، ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺟﻨﻲ: ﻟﻜﻨﻪ ﺇﺫا ﻭﺟﺪ اﺳﻢ اﻟﻤﻔﻌﻮﻝ ﻓﺎﻟﻔﻌﻞ ﺣﺎﺻﻞ. انتهى

قلت-عماد: وهنا نقول : إذا وجد المصدر وهو الأصل(البروك) فلا مانع من اشتقاق اسم المفعول منه على غرار مصدره وهو من المجاز المستفيض في لغة العرب.


ثامن وعشرون: جاء في الصحاح: 

ﺣﺘﻰ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻭﺟﻬﻚ المرغوسا. ﻳﻌﻨﻰ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ اﻟﻤﻴﻤﻮﻥ.

وفي اللسان: 

ﺭﻏﺲ: اﻟﺮﻏﺲ: اﻟﻨﻤﺎء ﻭاﻟﻜﺜﺮﺓ ﻭاﻟﺨﻴﺮ ﻭاﻟﺒﺮﻛﺔ، ﻭﻗﺪ ﺭﻏﺴﻪ اﻟﻠﻪ ﺭﻏﺴﺎ. ﻭﻭﺟﻪ ﻣﺮﻏﻮﺱ: ﻃﻠﻖ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻣﻴﻤﻮﻥ؛ ﻗﺎﻝ ﺭﺅﺑﺔ ﻳﻤﺪﺡ ﺇﻳﺎﺩ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ اﻟﺒﺠﻠﻲ:

ﺩﻋﻮﺕ ﺭﺏ اﻟﻌﺰﺓ اﻟﻘﺪﻭﺳﺎ

ﺩﻋﺎء ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺮﻉ اﻟﻨﺎﻗﻮﺳﺎ

ﺣﺘﻰ ﺃﺭاﻧﻲ ﻭﺟﻬﻚ المرغوسا

ﻭﺃﻧﺸﺪ ﺛﻌﻠﺐ:

ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺤﻤﻮﺩ ﻭﻻ ﻣﺮﻏﻮﺱ.

وفي التاج: 

ﻭالمرغوس: اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ اﻟﻤﻴﻤﻮﻥ. ﻳﻘﺎﻝ: ﻭﺟﻪ ﻣﺮﻏﻮﺱ، ﺃﻱ ﻃﻠﻖ ﻣﻴﻤﻮﻥ، ﻭﻫﻮ ﻣﺮﻏﻮﺱ اﻟﻨﺎﺻﻴﺔ، ﺃﻱ ﻣﺒﺎﺭﻛﻬﺎ...ﻭالمرغوسة: اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﻮﻟﻮﺩ.


قلت-عماد: فعلى هذا يقال: رجل مبروك وامرأة مبروكة أي كثير الخير والنماء تشبيها له بكثرة الخير في مبارك الإبل وهو من المجاز.


تاسع وعشرون: وفي المخصص لابن سيده:

اﻟﺒﺮﻛﺔ : اﻟﻨﻤﺎء ﻭاﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ، ﻭاﻟﺘﺒﺮﻳﻚ: اﻟﺪﻋﺎء ﺑﺎﻟﺒﺮﻛﺔ ، ﻭﺑﺎﺭﻙ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ: ﻭﺿﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻭﻃﻌﺎﻡ ﺑﺮﻳﻚ: ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻣﺎ ﺃﺑﺮﻛﻪ، ﻭالرغس: اﻟﻨﻤﺎء ﻭاﻟﺒﺮﻛﺔ.

قلت-عماد: فالرغس والبرك من البركة والخير والنماء فهو مرغوس ومبروك.


ثلاثون: سئل الفقيه ابن عثيمين رحمه الله:

ما حكم القول عند التهنئة " مبروك " 

فأجاب:

اللفظة صالحة بأن تكون من البركة لأنه يقال هذا مبارك من الفعل الرباعي بارك ويقول هذا مبروك من برك ولكن العامة لا يريدون به إلا البركة وهو بمعنى مبارك في اللغة العرفية. ولا أظنه من حيث القواعد الصرفية يصح أن المشتق من برك مبروك لأن برك فعل لازم والفعل اللازم لا يصاغ منه اسم المفعول إلا معدى بحرف الجر، ولهذا يقال بركت الناقة فهي باركة ولا يقال مبروكة، ويقال برك ناقته فهي مبركة لا مبروكة فصيغة مفعول من برك اللازم لا تصح من حيث اللغة إلا معداة بحرف جر. وهي تستعمل بغير حرف الجر، كما هو معروف عند العامة، وإذا كانت مادة الاشتقاق موجودة وهي (الباء والراء والكاف) التي هي أصل حروف البركة فلا أرى مانعاً أن يقول القائل مبروك بمعنى مبارك.


حادي وثلاثون: قال عباس حسن في النحو الوافي:

ﺃﻳﺠﻮﺯ اﺳﺘﻌﻤﺎﻝ اﻟﻠﻔﻆ اﻟﺬﻱ ﺃﻫﻤﻠﻪ اﻟﻌﺮﺏ ﺳﻮاء ﺃﻛﺎﻥ ﻓﻌﻼ ﺃﻡ ﻏﻴﺮ ﻓﻌﻞ؟

اﻟﺮﺃﻱ اﻟﺴﺪﻳﺪ ﺃﻧﻪ: ﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻣﺎ ﺩاﻡ ﻣﻌﺮﻭﻓﺎ ﺑﻨﺼﻪ ﻭﺻﻴﻐﺘﻪ، ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺆﻳﺪ اﺳﺘﻌﻤﺎﻝ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﻬﻤﻞ، ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺰﻫﺮ:

ﺑﺎﺏ: ﺫﻛﺮ ﻧﻮاﺩﺭ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ" ﻭﻧﺼﻪ: 

"ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺩﺭﺳﺘﻮﻳﻪ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ: "اﻟﻔﺼﻴﺢ" ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻫﻤﻞ اﺳﺘﻌﻤﺎﻝ "ﻭﺩﻉ، ﻭﻭﺫﺭ" – ﻭاﻟﻠﺬﻳﻦ ﻣﻀﺎﺭﻋﻬﻤﺎ: ﻳﺪﻉ ﻭﻳﺬﺭ – ﻷﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ ﻭاﻭا، ﻭﻫﻮ ﺣﺮﻑ ﻣﺴﺘﺜﻘﻞ؛ ﻓﺎﺳﺘﻐﻨﻲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺑﻤﺎ ﺧﻼ ﻣﻨﻪ، ﻭﻫﻮ "ﺗﺮﻙ"، ﻗﺎﻝ: ﻭاﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻣﺎ ﺃﻫﻤﻠﻮا ﻣﻦ ﻫﺬا ﺟﺎﺋﺰ ﺻﻮاﺏ، ﻭﻫﻮ اﻷﺻﻞ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﺱ اﻟﻮﺟﻪ.انتهى

قلت-عماد-: وإهمال مبروك من هذا والقياس لا يمنع من إتيانها على الوجه المراد به لأن المادة اللغوية واحدة وهي مصدر البروك.


ثاني وثلاثون: العرب تتوسع في الكلام وتتفنن فيه بقدر لا يجاريها في ذلك أمة من الأمم ، كيف لا واللغة العربية أفصح اللغات وأجملها وأعذبها، وفيها من التعريض والكناية والتورية وأساليب البلاغة والبيان ما يحير اللب ويذهل العقول ، وإن دل هذا فإنما يدل على سحر العربية ورونق الفصحى وبديع الكلام ، ومن شاء فليراجع مادة(ب ح ر) فقد تجاوز معانيها خمسين معنى ، وكلها ترجع للباء والحاء والراء ، وكذلك ضرب فقد تجاوز معانيها عشرين معنى.


ثالث وثلاثون:الجذر اللغوي لمادة(ب ر ك) تعني الدوام والاستقرار والثبات ، أضف إليهما النماء والزيادة فبارك وبرك أصلهما الباء والراء والكاف ، هذا مجرد وذاك مزيد.


رابع وثلاثون: مبارك اسم مفعول من بارك ومبروك اسم مفعول من برك وجذر المادتين واحد ، ب ر ك وهو الدوام فما الذي يمنع من استخدام مبروك بمعنى مبارك وأئمة اللغة على القول بالقياس بضوابطه المعروفة واللغة لا تمنع من ذلك.


خامس وثلاثون: نحن لا نخاصم في فصاحة مبارك ولكننا نناقش في صحة مبروك ، فما من شك أن الأولى أولى ، والثانية لها قواعد تلحقها بركب الفصيح.


سادس وثلاثون: هناك علماء أفاضل أجازوا اللفظة كالفقيه اللغوي ابن عثيمين ، والدكتور أحمد عمر في معجمه ، وهي جارية على قواعد المجمع اللغوي المصري ، كما ذكر عباس حسن في وافيه.


سابع وثلاثون: من أراد التوسع في المسألة وغيرها فليراجع: فقه اللغة وسر العربية للثعالبي فإنه نفيس في بابه ، وليفتش في خصائص ابن جني ، ومن رام الاختصار فعليه بمادة اللفظة من مقاييس ابن فارس وغيره ففيها مقنع لمن آثر المضجع.


ثامن وثلاثون: وعليه:

فإن أصل لفظة مبروك تعني: الدوام والثبات والاستمرار والبركة والتمكن، وكأنك تقول لمن  تدعو له : اللهم اثبت له هذا النجاح وارزقه الدوام عليه والتوفيق له والاستمرار فيه ، فهو دعاء للثبات على الخير والدوام عليه ، وهذا ما ذكره صاحب اللسان عند الحديث عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مادة برك.


خلاصة البحث:

1_مبارك أفصح من مبروك ، لا شك في ذلك ، لكن مبروك جارية على أقيسة العرب.

2-الأوزن الصرفية تتحول من معنى لآخر ، وهذ مطرد ومشهور ومستفيض ، وما دامت اللفظة في قالب الفصاحة ومعنى الملاحة ، وجارية على الأقيسة العربية فما من مانع لصحتها.

3-الجذر اللغوي لمبارك ومبروك هو (ب ر ك) فهما يشتركان في أصل المادة.

4-لم تأت مبروك في الشواهد القديمة لكنها تنبع من بحر العربية ، وتصب في نهر الفصحى ، ولا تخالف قوالب القوم، وليراجع في ذلك قول ابن جني في خصائصه ومجمع اللغة المصري كم سبق.


تنبيهات:

✍️ما ذكر يعد وَمضة على طريق البحث والتحري والتفتيش لمن أراد أن ينقب ويبحث ويتفحص في المسألة ، وأدعو كل منتقد أن يتحلى بروح النقد البناء، ولا يترنح ترنح السكرى ويصرخ صراخ الثكلى، بل ينقد بأسلوب علمي رصين.


فإن النقد لا يُقبل إلا ممن يرتكز على أدلة تضرب بجذورها إلى لسان العرب، وتستمد أصولها من فنون الأدب ، وترتوي من نبع الأرب.


✍️من ينتصب للرد فلينزع أولا من قلبه لحمة الحقد، وغلصمة الغل، ويأتي بالأدلة يسوقها بين يديه عربونا، ونقيم سوق التناصح، فيربح من يربح ويغنم من يغنم.


✍️وأما الترياق:

فقوله تعالى،{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.